الخميس، 14 أكتوبر 2010

صدق أبو جهل بقلم وليد غانم


صدق أبو جهل بقلم المهندس وليد غانم
م. وليد غانم
لا يخفى على أحدٍ ما آلَ إليه حالُ المسلمين من تدهْوُر في شتَّى المجالات، ليست الدنيوية منها فحسب؛ بل الدينية والأخلاقية أيضًا، ويُرجِع كثيرٌ من المسلمين هذا التدهْوُر إلى عوامِل خارجية؛ يُرجِعونه إلى الآخَر، أيًّا كان هذا الآخَر؛ فالزوج والزوجة يَلُوم كلٌّ منهما الآخَر، وهذا اللوم المتبادَل يحدث على مختلف الأصعِدَة بين الآباء والأبناء، بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، بين الشعوب والحكَّام، حتى نُلْقِيَ باللوم على الدول الأخرى التي تدبِّر المؤامرات للإسلام والمسلمين، نلوم إسرائيل التي تقتل النساء والأطفال، وأوروبا التي تُسانِد إسرائيل برغم وحشيَّتها، وأمريكا التي تكيل بمكيالَين، وكأنَّنا نريد من المغتَصِب أن يكون عادلاً شريفًا رحيمًا، نَلُوم أمريكا وأتباعها معتبِرين أنهم هم المشكِلَة، وأن الحل بأيديهم!
وإذا قلنا: إن معظم الحلول بأيدي أمريكا وأتباعها، وليس بأيدينا إلا القليل، فكأنما نقول: إن الحل كان بأيدي أبي جهل وأتباعه، وما كان في أيدي الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأتباعه - رضِي الله عنهم - إلا القليل، وبالتأكيد يُسْأَل أبو جهل وأتباعه عن كلِّ ما كان يحدث في مكة من مفاسد، ويُسْأَل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأتباعه - رضِي الله عنهم - عن إصلاح هذه المفاسد، وهذا ما حدث بالفعل، وما أصلح الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه المفاسد بالحديث إلى أصحابه - رضِي الله عنهم - عن أبي جهل وأخطائه وإيضاحها لهم، ففسادها يُغنِي عن إفسادها، ووضوحها يغني عن إيضاحها، فما شغل نفسه وصحابته بما يجب أن يفعله أبو جهل، ولكن شغَلَهم بما يجب أن يفعلوه هم.
إن أوَّل مَن تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة عالِم وشهيد وجوَاد؛ لأن هؤلاء بأيديهم الحلُّ إذا أخلصوا العملَ لله - عزَّ وجلَّ - فالله - عزَّ وجلَّ - اشتَرَى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فالإيمان يعلِّمه للناس العالِمُ، والنفس يبذلها الشهيدُ، والمال ينفقه الجوَادُ، فالحلُّ بأيدينا نحن، وليس بيد أبي جهل وأتباعه.
نعم، يتوجَّب علي الدُّعاة أن يجلوا للناس خُطَط الأعداء، ويبيِّنوا لهم مكرهم وكيدهم للإسلام والمسلِمين، وذلك بجانِب اهتمامهم بأنفسهم، وتهذيبهم لها من الأمراض الباطنية الفتَّاكة، وقيامهم بواجباتهم الدعوية وغيرها، أمَّا الاهتمام بجانبٍ على حساب آخر، فهو مذموم، وعاقبته وخيمة.
قال ذلك أبو جهل نفسُه وهو يستعدُّ لغزوة بدر: "إنْ كُنَّا نُقاتِل محمدًا فما بنا منهم من ضعف، وإن كُنَّا نقاتل الله كما يزعم محمدٌ فما لأحدٍ بالله من طاقة"، فصَدَق وهو كذوب، نعم؛ ما لأحدٍ بالله من طاقة.

قال - عزَّ وجلَّ، وَمَنْ أَصْدَقُ من اللَّه قيلاً؟! -: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]، فحتمًا سينصرك الله إذا نصرتَه، وإذا لم ينصرك - جلَّ وعلا - فتأكَّد أنك لم تنصره، وقال أيضًا: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]، وحيث قال ذلك، فحتمًا سيهديك السبيل إذا جاهدت في سبيله، وإذا لم تُهْدَ السبيل، فتأكَّد أنك لا تجاهِد في سبيله.
فعلينا أن نفتِّش في أنفسنا في سبيل مَن نجاهد؟
يسير موسى - عليه السلام - ببني إسرائيل ويتبعهم فرعون وجنوده حتى يصل إلى البحر، يظنُّ بنو إسرائيل أنهم مُدرَكون، ولكن يردُّ عليهم موسى بإيمان وثقة بالله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
لو وضعنا موسى - عليه السلام - وقومه في كِفَّة وفرعون وجنوده في كِفَّة، لِمَن تكون الغَلَبَة؟ بالطبع لفرعون وجنوده، ولكن إذا كان الله مع موسى - عليه السلام - وقومه تطيح كِفَّة فرعون وجنوده، وما كانت نجاة بني إسرائيل في الخلاص من فرعون، بل إنهم بعد نجاتهم من فرعون اتَّخذوا عجلاً إلهًا من دون الله!
يقف أبو جهل وجيشُه أمام الغار، ويقول أبو بكرٍ لصاحبه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "لو نظر أحدُهم تحت قدمَيْه لرآنا"، فيُجِيبه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تحزن إن الله معنا))، فينتصِر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصاحبه - رضِي الله عنه - وهما اثنان في الغار على أبي جهل وجيشه؛ لأن الله معهم.
فما أسهلَ الحياةَ مع الله!
نقلا عن موقع الألوكة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق