الخميس، 17 ديسمبر 2009

الهجرة والتخطيط لعام جديد

الهجرة والتخطيط لعام جديد 
بقلم حسين العسقلاني
مع تتابع الأيام ومرور الشهور والأعوام يأتي حادث هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ليذكرنا دائمًا بمجموعة من الدروس والعبر غاية في الأهمية، وقد أبدع العلماءُ والكتّابُ قديمًا وحديثًا في استخراج هذه الدروس وتلك العبر.
ولا أدَّعي أنني قرأت كلَّ ما كتبه سادتنا وعلماؤنا حول هذا الحدث العظيم والجليل، وإنما قبسًا منه، ورأيتُ مما أفاض الله به عليهم من نور الحكمة ودقة الفهم ما تقرُّ به العين ويسعد به القلب.

ولكني أردت أن أقف على ملمحٍ مهم للغاية – وقد عالجه العلماء بتوسع أيضًا – غير أني أردت أن أربطه بواقع كلٍ منا، ألا وهو الهجرة والتخطيط لعام جديد..
ورغم أن خطة الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة  وما بعدها، لم تكن خطة عام واحد، وإنما كانت لمرحلة كاملة من الدعوة إلى الله عز وجل، ولم تكن لفرد واحد أو أسرة واحدة أو قبيلة بمفردها، وإنما كانت لأمة ممتدة زمانًا ومكانًا - رغم هذا كله - إلا أننا نعرض هنا إمكانية أن كلاً منَّا يستطيع أن يضع خطة لنفسه وأسرته وعائلته بل وأمَّته أيضًا..


سؤال وسؤال !!
إن السؤال الذي يطرح نفسه كل يوم، بل كل ساعة هو ماذا أفعل خلال هذه الساعة أو هذا اليوم؟
ويزاد الأمر إلحاحًا مع مرور الشهور تباعًا، ويبلغ الأمر ذروته مع قرب انتهاء العام وبداية عام جديد، قال الله تعالى "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا" (الإسراء: 12).
فماذا ستفعل خلال عام قادم ؟!
إن هذا السؤال يقودنا إلى سؤال أصعب منه وهو ماذا فعلت خلال عام بل أعوامٍ مضت؟!

لا شك أن البعض أحسنَ، ولا شك أيضًا أن الكثير نادم لشعوره أنه لم يحسن، وأن الأمور كانت لتسير بشكل أفضل لو أحسن التخطيط لها..


وحتى لا ندور في فلك ما مضى، دعونا نبدأ معًا صفحاتٍ بيضاء نقية صافية، وحتى تكون تلك الصفحات ناصعة البياض دعونا نملأ سطورها الأولى بالاستغفار وحسن التوجه إلى الله أن يوفقنا إلى تدّبر أمرنا، وأن يصلح حالنا..

نقاط خطتنا عشرة فأتقنوها !!
مذ كنت في الثانوية، ومع بداية كل عام هجري أو ميلادي بل ومع تاريخ ميلادي الهجري والميلادي أيضًا، كنت مع كل مناسبة من هذه المناسبات أحاول وضع خطة للعام اللاحق لكلٍ منها، وكانت الخطة تخرج بسيطة لكنها كانت تعبر عن حاجاتي وما أريده في تلك المرحلة، وأذكر من بنود تلك الخطط متابعة مجلات كذا وكذا (إسلامية شهرية) وشراء كتب كذا وكذا (ثقافية عامة) وتوفير بعض المصروف اليومي لتنفيذ عناصر الخطط ..
ورغم أن الكثير من القراء يفوقون كاتب هذه السطور في مجال وضع الخطط ومتابعة تنفيذها إلا أنني أرى أن بنود أو عناصر هذه الخطة البسيطة الهادفة ينبغي ألا تخلو من محورٍ من هذه المحاور:

أولا: الجانب الإيماني
كيف حالك مع الله الآن وفيما مصى؟ وهل تريد أن تظل على هذه الحال أم تريد أن ترتقي ؟ إذن فضع في خطتك في هذا الجانب حالك مع تدبر القرآن، ومع قيام الليل والتهجد والذكر، فضلا عن صلاة الجماعة، والسنن الراتبة، وابدأ يومك دائمًا واختمه بالاستغفار..

ثانيًا: الجانب الدعوي
وهو ثمرة الجانب الإيماني، فالإناء – كما يقولون – لا يفيض إلا إذا امتلئ، فلن تكون داعية بحق إلا إذا امتلأ قلبك إيمانًا وصدقًا مع الله عز وجل، ومن ثَمَّ تشعر بمسئولياتك تجاه إصلاح الناس، وسل نفسك دائمًا هل تقوم بالدور المطلوب منك تجاه دعوتك أم لا؟

ثالثًا: الجانب العلمي
وأقصد به هنا التخصص العلمي، سواء كان دراسة في إحدى دور العلم (معهد أو جامعة ..) أو كان عن طريق التلقي عن أحد العلماء، فماذا حصّلت من علمٍ في تخصصك، وماذا تنوي أن تحصّل، وهل أعددت العدة لذلك من وقت وجهد ومال، فكما قال يحيى بن معين: لا يستطاع العلم براحة الجسم.  

رابعًا: الجانب الثقافي
وهو أوسع دائرة من الجانب العلمي، لكنه أقل تخصصا، وهو المشهور بقولهم: اعرف شيئًا عن كل شيء، فماذا تتابع من أخبار، وأي كتب عامة تقرأ، وكيف علمك بما على الساحة الآن من طرح لمختلف القضايا، ثق أن هذا الجانب سيساعدك كثيرًا في اتخاذ قرارات مناسبة..

خامسًا: الجانب الصحي
الكشف الطبي، وإجراء التحاليل حتى ولو لم تعاني من أي أمراض، وقد يرى البعض هذا الأمر مبالغةً، غير أن الواقع يشهد بأن الكثير من الأمراض قد تنشأ بسيطة بحيث لا يظهر لها أعراض، وتستفحل بعد ذلك – عافانا الله جميعًا - خاصة في عصر الإشعاعات والتلوث بكافة أصنافه.. ومن هنا أرى هذا لزامًا على كلٍ منا – وإن كان مرتفع التكلفة إلا أنها في محلها - وكذلك يدخل في هذا الجانب الاعتناء بالنظافة العامة، والتجمُّل وغير ذلك من هذا الباب.. 

سادسًا: الجانب المالي
ما هي خطتك وخطواتك في تنمية مالك إن كان لك، أو إيجاده إن لم يكن، فكثرة المال ليست عيبًا فنعم المال الصالح للرجل الصالح كما قال صلى الله عليه وسلم، ولا يتنافى هذا مع الزهد، ما دامت الدنيا في يدك وليست في قلبك، فلا بأس بوضع خطة لتنمية مالك لتطعم وتنفق مما وسع الله عليك.

سابعًا: الجانب المهني أو الوظيفي
لا بدّ وأن تتضح لدى كل منا أهدافه وطموحاته المهنية والوظيفية، ولا بدّ أن يطّور نفسه من خلال الدورات التدريبية المتخصصة في مجال عمله أو مهنته، وأن يراعي في ذلك ميوله ومهاراته لينميها، ويصقل ما لديه من قدراتٍ، حتى يكون إنتاجه وفيرًا وذو جودة عالية، وينعكس ذلك – دون شك – على حياته فيعيش راضيًا مطمئنًا.

ثامنًا: الجانب الأسري
مما ينبغي ألا يغيب عن ذهن كل منا أثناء وضع خطته؛ أسرته (الزوجة والأولاد) ، وكيف يرتقي بهم علميًا وتربويًا، وينتقل بهم من حَسَنٍ إلى أحسن، وأما غير المتزوج فسيكون هذا الجانب في خطته في طور الإعداد، حيث البحث عن الزوجة الصالحة، أو إتمام مراحل الخطوبة والعقد، وأن تكون خطواته واقعية وملائمة لأحواله المعيشية.

تاسعًا: الجانب العائلي
وهو أوسع دائرة من الجانب الأسري، وهذا الجانب يشمل الأهل والأصهار، وهو جانب من الأهمية بمكان، حيث تتصدر صلة الرحم في الإسلام مكانة عظيمة، ولا أخفيكم سرًا فأنا أضع صلة الرحم كأحد الموارد المالية، يقينًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه".   
عاشرًا: الجانب الاجتماعي
وهو أكثر اتساعًا من الجانبين السابقين (الأسري والعائلي) فهو يشمل كافة المعارف والأصدقاء والجيران وزملاء العمل، وكلٌ له خصوصية في التعامل، ويشمل أيضًا من نتواصل معهم عبر الإنترنت وغيره من الوسائل الحديثة، وهؤلاء لا بدّ أيضًا من وضع النقاط على الحروف في التواصل وحسن التعامل معهم لحتمية التأثير والتأثر بهم..



بين التخطيط والتوكل على الله
مما لا شك فيه أن مثل هذه النقاط – رغم بساطتها – إلا أنها تستوعب حياة الإنسان، وتحتاج عند وضعها في خطة عملية واقعية إلى بعض الوقت والجهد، حتى تؤتي ثمارها المرجوّة بإذن الله..

ومع الأخذ بكل الأسباب – قدر الإمكان – إلا أننا يجب ألا ننسى دائمًا الاعتماد الكامل والتوكل على الله عز وجل، والارتباط به دائمًا وأبدًا، والإكثار من الدعاء بالتوفيق لما يحب ويرضى..




وأختم بقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:
[وكم من خطة يضعها أصحابها فيبلغون بها نهاية الإتقان تمر بها فترات عصيبة لأمور فوق الإرادة أو وراء الحسبان.. ثم تستقر أخيرًا وفق مقتضيات الحكمة العليا، وفي حدود قوله تعالى: "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"يوسف: 21" ]

------ 
أرحب بكم في قناة حسين العسقلاني على اليوتيوب

الجمعة، 11 ديسمبر 2009

رغد حسين العسقلاني وافدة جديدة إلى عالمنا !!

بقلم أبو رغد حسين العسقلاني

فرق شاسع بين أن يتكلم الإنسان نظريًا دون معايشة واقعية لما يتحدث عنه، وبين أن يكتب عما يعيشه بجوارحه، ويحسه بيديه، ويحنو عليه بقلبه..
لا أذكر - صراحةً - كم مرة تحدثت عن مدى حنان الوالدين وعطفهما، وما يقذفه الله في قلبيهما من حب وود ورحمة تجاه أبنائهم، ولكن الحديث شيء، وأن تعيش الحنان والحب والود والرحمة والعطف شيء آخر..
ذالكم هو ما حدث مع قدوم وافدة جديدة إلى عالمنا هي ابنتي رغد..
رغد اسم يتلألأ بحروفه الثلاثة ليزيد الحياة بهجة ونورًا وسعادة..
رغد رحمة ورفق ورقة ورفعة ورزق واسع عميم..
رغد ذالكم الاسم الساحر الذي يغوص في أعماق النفس البشرية، ويأبى إلا أن يملأها حبًا وحنانًا ورقةً وعذوبة..
ومهما حاول الإنسان جاهدًا أن يبوح ببعض ما يملأ القلب من مشاعر نحو رغد فلن يستطيع، إن الكلمات تقف أحيانًا عاجزة عن التعبير عما يجول في النفس من أحاسيس وخواطر، ويشعر حينها الإنسان أن تلك المعاني عصيّة على الوصف، إنها تأبى إلا أن تسكن في أعماق النفس البشرية، ولا تخرج إلا في لمسات الأيدي، ونبضات القلب، وهمسات الحب الصادقة..

الأيام الأولى من قدوم رغد

الأيام الأولى من قدوم رغد شهدت إقبالاً غير عادي من الأهل والأصحاب، حيث تتمتع رغد بالجمع بين قرابتين، في حين لا يتمتع أبوها أو أمها إلا بنصف أقاربها، ورغم أن هذا الأمر متماثل تمامًا مع كل مولود، إلا أنك تشعر أنها ميزة خاصة لـ رغد !!
ويزعم الأطباء - وقد صدقوا - أن الطفل في الأسابيع الأولى من ولادته لا يميّز بين الليل والنهار، وهي حجة كافية لـ رغد لكي تصحو وتنام وقتما تشاء من ليلها ونهارها الخاص، وهي فرصة سانحة لتمتعنا بألحانها العذبة مناديةً علينا بلغتها الخاصة ليهرع الجميع في حب وشوق إلى تلبية ما تنوي أن تمليه علينا..
إن ما قد يظنه بعض الناس تعبًا ومعاناة يحس به آخرون متعة وراحة ونعيمًا، وما قد يراه البعض في الظاهر بلاءً يراه غيرهم نعمة ورحمة وضياءً..

الأبناء بين المتعة والمسئولية

إن نعمة الأبناء عظيمة للغاية، ومن ثم فهي تستوجب من الشكر الكثير، وليس الشكر باللسان فحسب؛ بل بالقلب والجوارح أيضًا..
فليس الأبناء مجرد متعة فحسب، وإنما هم في الواقع مسئولية تحتم على الوالدين بذل الوقت والجهد للقيام بها على أحسن الصور، وبأفضل الوسائل وأنسبها..
إن حقوق الأبناء - في واقع الأمر - تبدأ مبكرًا من اختيار الأم الصالحة لهم، إلى حسن الرعاية والتقويم، وأيضًا اكتساب الخبرات اللازمة للقيام بهذه المسئولية المهمة التي تتلخص في (تربية الأبناء ليصبحوا لبنات صالحة في المجتمع ترتقي به إلى أعلى الدرجات علمًا وأدبًا وتقدمًا وأخلاقًا).
إن رغد ومثيلاتها تحتِّم علينا جميعًا أن نوجد لهم البيئة الصالحة الطيبة المناسبة لتنمو في صلاح ورشد وهداية وأمن واطمئنان، ويتطلب ذلك محضنًا تربويا لأبنائنا جميعًا لا يقتصر على البيت فحسب، بل يتوسع مع الوقت ليشمل الحي الذي نعيش فيه، والمنطقة التي نتحرك فيها، والمدينة التي نذهب إليها، إن الدائرة تتسع مع الوقت ليتسع معها الجهد الذي ينبغي أن يُبذل لإصلاح تلك الدوائر المحيطة بأبنائنا، والتي لا بد أن تشارك معنا شئنا أم أبينا في تربية أبنائنا، تؤثر بدون شك في أخلاقهم وتعليمهم وكل سلوكهم..
ومع وجود وسائل الاتصال الحديثة حيث عصر الإنترنت والفضائيات نرى الأمر يكاد - إن لم يكن بالفعل - قد خرج عن السيطرة من حيث الاتساع الكبير للدوائرالمحيطة بأبنائنا مما يدفعنا وبقوة إلى زيادة جوانبنا المعرفية لمواجهة والتكيّف وفق أخلاقنا وقيمنا مع هذا الاتساع الهائل والتدفق المستمر لكل أنواع الثقافات وإحاطتها بأبنائنا وبناتنا ووضوح التأثير والتأثر بها سلبًا أكثر منه إيجابُا..

عودة إلى رغد

نعود إلى رغد حيث قضت رحلتها الأولى في عالمنا في العودة من المستشفى التي ولدت فيه إلى المنزل، وكانت رحلتها الثانية للتسجيل في الأوراق الرسمية، بينما كانت الثالثة للتطعيم.
وتتوالى رحلات رغد يومًا بعد يوم بين الزيارة لبيت جدها وجدتها، أو الكشف الطبي، أو غير ذلك، مصطحبة في ذلك كله أمها، لا لشيء إلا لتعرفها على معالم عالمها الجديد..

كتب هذه السطور أبو رغد حسين العسقلاني
11 ديسمبر, 2009

الأحد، 6 ديسمبر 2009

مآذن سويسرا هل تشكو المسلمين إلى الله ؟!


بقلم حسين العسقلاني

مع ازدياد وتيرة العداء للإسلام في الغرب في الآونة الأخيرة، أضحت سويسرا ذات الأربع مآذن مسرحًا جديدًا للتعصب ضد المسلمين واضطهادهم فيها من خلال الاستفتاء الأخير، والذي انتهى بقرار حظر المآذن...
ففي ظل هذا العداء المتمكن من قلوب كثيرٍ من السويسريين بات كل شيء متوقعًا، وأصبح ممنوعًا ما كان يُتصور أن حرية أوروبا تكفله، فللحرية استخدامات أخرى كثيرة غير التدين بالإسلام..
لقد أصبحت أوروبا - في ظل اجتهاد حثيثٍ من قادة الفكر المعادي لكل ما هو إسلامي في العالم وسيطرتهم على كل مكونات الإعلام، وفي ظل غفلتنا نحن العرب والمسلمين إلا عن استخدام ما ينتجه غيرنا والتمتع به فحسب - أصبحت أوروبا وبجدارة مرتعًا خصبًا للعداء ضد كل المسلمين، فمن منع الحجاب في فرنسا مرورًا بمقتل مرورة الشربيني في ألمانيا، وليس انتهاءً بمنع بناء مآذن المساجد في سويسرا..

بداية القصة
إذا عُدنا إلى القصة من بدايتها نجد أن العلاقة المتبادلة بين مسلمي سويسرا (سواء من أهلها أو من هاجر إليها من خارجها) وبين غير المسلمين فيها علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والسلم والسلام والأمن والاطمئنان، ومنذ حوالي أربعين سنة والإسلام ينتشر في سويسرا وبشكل متصاعد – ولعل هذا هو ما أثار حفيظة أولئك الذين لا يريدون للإسلام علوًا في الأرض ولا سيادة – وحسب إحصائية نُشرت في إسلام أون لاين كان تعداد المسلمين في سويسرا 17 ألفًا سنة 1970م، ووصل العدد إلى 56 ألفًا سنة 1980م، ثم زاد العدد إلى 152 ألفًا سنة 1990م، وتجاوز 300 ألفًا مع بداية القرن الجديد، ليصل الآن إلى ما يزيد على 400 ألف مسلم..
وطيلة كل هذه السنين لم نسمع أو نرى أي تعصب ضد المسلمين من السويسريين ، إلا حالات قليلة لا تتجاوز نسبا بسيطة للغاية، حسب استطلاعات للرأي॥


التحوّل في التعامل مع مسلمي سويسرا
ولكن ما فتئت هذه النسب الضعيفة للغاية أن أخذت في الازدياد بصورة لافتة للنظر، ومثيرة للعجب، وباعثة على الاهتمام..
وإذا نظرنا في أسباب هذه التحوّل العجيب في وجهات نظر السويسريين تجاه المسلمين في سويسرا، نجد أن هناك مجموعة من الأسباب يأتيها على رأسها الشحن الإعلامي الكبير المضاد لكل ما هو إسلامي، وإذا كانت الكثير من وسائل الإعلام في بلادنا العربية تشحن مواطنيها ضد الدول الشقيقة بشأن توافه الأمور، فإن الإعلام الغربي يشحن مواطنيه ضد الإسلام والمسلمين، حتى إنك لترى اللافتات التي تدعم وجهة نظر حظر المآذن في سويسرا تراها وقد صورت المآذن على أنها صواريخ جاهزة للانطلاق وتفجير كل ما يحيط بها، وليس هذا تصورًا من وحي خيالي وإنما هو واقع يعيشه السويسريون ، ومن هنا كان هذا الاستفتاء ليتم إدراج حظر بناء مآذن في الدستور على أنه إجراء - حسب زعمهم - يرمي إلى الحفاظ على السلام بين أفراد مختلف المجموعات الدينية॥

إجراء الاستفتاء على حظر المآذن
في ظل هذه الأجواء القاتمة والمتشبعة بإقناع الناس بخطورة الإسلام على حياتهم ومستقبل أبنائهم، جرى ذالكم الاستفتاء على حظر المآذن، وكان فارق 7.5 % كفيلا بتطبيق الحظر، ومن ثَمَّ منع بناء مآذن جديدة في البلاد، الأكثر لفتًا للنظر أنه رغم كل ما بذله اليمين والأحزاب المتضامنه معه ضد بناء المآذن أن 42.5 % لم يصوتوا بمنع بناء المآذن، وهذا مؤشر إيجابي، فالنسبة الجيدة التي لم تتأثر سلباً بما يثيره الإعلام الغربي من عداء هذه النسبة جديرة بالاهتمام، وهي نسبة قابلة للزيادة أو النقصان حسب اجتهاد المسلمين في داخل وخارج سويسرا في تغيير الصورة المنطبعة عنهم في أذهان كثير من الغربيين..
على أن تغيير تلك الصورة يتطلب جهودًا ضخمة من كافة المسلمين في داخل أوروبا وخارجها، ولا أقول ببذل ما يبذله الغربيون في الترويج لأفكارهم – فهذا ربما حلم – ولكن ببعض بعضه، أو ما يستطيعه كل منا، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وإذا بذل كل منا ما في وسعه، تكفل الله بالأمر كله، وما على الرسول إلا البلاغ..
أما الاقتصار على مشاهدة الأحداث، ومصمصة الشفاة على ما آلت إليه الأوضاع، فهذا ما يزيد الأمور تأخرًا والأوضاع ضياعًا..

ردود الأفعال بين الاستنكار والخطوات العملية
تنوعت ردود أفعال العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي تجاه قرار حظر المآذن في سويسرا ما بين الاستنكار والشجب والإدانة والمطالبة بالمقاطعة المالية لبنوك سويسرا تلك التي تقوم على أموال العرب والمسلمين، وكان هذا الأخير هو ردّ الفعل العملي والمطلوب، وهو تهديد اقتصادي سيأخذه السويسريون بمزيد من الاهتمام، وسوف يتريثون كثيرًا في اتخاذ أي قرار يتعلق بالمسلمين في بلادهم لأن الأمر يتعلق باقتصادهم القومي..

الدور المطلوب من الجميع
ثمة أدوار عملية يستطيع كل منا أن يقوم ببعضها أو كلها لتغيير الصورة إلى الأحسن، من هذه الأدوار:
أولاً: إصلاح النفس وإعدادها وتغييرها إلى الأحسن وفق خطط عملية، لتكون مؤهلة لحمل الأمانة، وتبليغ دعوة الله الصافية إلى العالم كله..
ثانيًا: محاولة التواصل بكل الوسائل المتاحة مع الغربيين – وهي كثيرة - ونقل صورة الإسلام الصحيحة إليهم..
ثالثًا: المساهمة بالجهد والمال في كل ما يدعم إيصال صورة الإسلام الصحيحة للغربيين، وذلك من خلال دعم الوسائل الإعلامية والدعوية التي تقوم بهذا الدور ومن خلال حركة الترجمة لكل ما يبرز الجوانب الحضارية في الإسلام..
رابعًا: إظهار النموذج العملي الواقعي للأخلاق الحسنة التي يحث عليها الإسلام، وهذه النموذج هو الأكثر تأثيرًا ، فينبغي ألا يروا منا إلا كل حسن، كما فعل أجدادنا المسلمون الذي نشروا الإسلام في كل العالم بأخلاقهم وحسن سِيرهم..
والأدوار كثيرة ومتعددة، ويستطيع كل منا إذا أخلص نيته، وعزم إرادته على هذا الهدف النبيل أن يبتكر أدوارًا في غاية الأهمية والفاعلية.

همسة أخيرة
إذا رأيت أي مئذنة في أي قطر تعيش فيه أو تذهب إليه، فاذكر نعمة الله عليك، وتذكر إخوانًا لك في سويسرا وصل اضهادهم إلى منعهم حتى من بناء مآذن ينادى عليها لذكر الله، واحذر من أن تشكوك المآذن إلى الله، وليكن هذا دافعًا لك للقيام بدورك تجاه نفسك والمسلمين.. فهل ستقوم بدورك؟!
--------

بقلم حسين العسقلاني
مدير قسم التفاعل في موقع قصة الإسلام
تم ترجمة المقال إلى اللغة الإنجليزية على هذا الرابط
Swiss Minarets: Complain Muslims to Allah?