السبت، 15 سبتمبر 2018

بين الهجرة وعاشوراء بقلم حسين العسقلاني


بين الهجرة وعاشوراء
                                                                               بقلم حسين العسقلاني
5 محرم 1440 هـ الموافق 15 سبتمبر 2018م
بين الهجرة وعاشوراء حسين العسقلاني
حسين العسقلاني
أيامٌ قليلة تلك هي التي تفصل بين ذكرى الهجرة وذكرى عاشوراء، وقد تأملتُ في الربط بين هذين الحَدَثَين فوجدت تشابهًا يصل إلى حد التطابق في بعض جوانبه..

أولا: أحداث مؤثرة
لا يخفى على كل من يعرف جانبًا من الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ أن كلاً من هذين الحدَثين له تأثير بالغ في تاريخ الإسلام وفي تاريخ بقعة كبيرة من الكرة الأرضية، فهلاك فرعون وجنوده ونجاة موسى وأتباعه في ذلك اليوم كان له ما بعده، وكذلك نجاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الأعظم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول في حادث الهجرة كان له التأثير الكبير في تاريخ الإسلام.

ثانيًا: المشاركون في الأحداث
إذا نظرنا إلى المشاركين في هذه الأحداث نجد نبيًا ومَن معه، وعلى الجانب الآخر نجد عدوًا لدودًا للإسلام ومعه جنوده، فهذا سيدنا موسى عليه السلام ومعه بني إسرائيل، وهذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعه الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه، وفي المقابل نجد فرعون وجنوده، وعدوَّ الله أبا جهل ومَن معه من مشركي مكة.

ثالثًا: الوصول لنقطة حَرِجة
وَصَلَ كلُّ نبي ومَن معه إلى نقطة حرِجة وطريق لا يمكن الرجوع عنه بحال من الأحوال، ويتوقع المشاهد والقارئ والمتابع للأحداث أنهم وقعوا في قبضة عدوهم، وأنه لا مناص من القضاء عليهم، والانتهاء من أمرهم، فموسى عليه السلام ومَن معه وصلوا إلى مرحلة أنّ أمامهم البحر وخلفهم فرعون وجنوده، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعه الصدّيق رضي الله عنه محاصرين في الغار وعلى بابه كفار قريش.

رابعًا: ردّ فعل أتباع الأنبياء
كما حكى القرآن الكريم ما حدث بالتفصيل في حادثة عاشوراء، ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: 61] وفي حديث أَنَسٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا..[1]
وفي رواية مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قَالَ نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِى الْغَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ..[2]

خامسًا: ثبات الأنبياء
إذا كنا قد عرفنا موقف الأتباع، فإن موقف الأنبياء عليهم السلام ليس غريبا ولا عجيبًا فالثبات والطمأنينة والسكينة هي سمة أساسية لا تنفك عنهم، فهذا سيدنا موسى عليه السلام يردّ على بني إسرائيل ردّ الواثق والمتيقن من أنّ الله عز وجل معه لا يخزله أبدًا ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 61، 62]، ونفس الموقف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40]، وأقول ليس هذا بعجيب ولا مستغرب لأن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام جميعا تربوا على مائدة الرحمن فقد اصطفاهم الله لنفسه واختارهم من صفوة خلقه، قال الله عز وجل عن موسى عليه السلام ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: 39] ، وأيضًا ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 41]، وقال سبحانه وتعالى عن نبيه ومصطفاه محمِّدٍ صلى الله عليه وسلم ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور: 48].

سادسًا: النتيجة النهائية
إذا تتبعنا سير الأحداث بعد ذلك وجدنا أن الله عز وجل قد نجّى أنبيائه ومن تبعهم وأهلك أعدائه سواءٌ كان الإهلاك عاجلا كما في حالة فرعون وجنوده، أم كان الإهلاك آجلا كما في حال أبي جهل ومن تبعه، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس: 90 - 92] ، وقال عز وجل: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [القصص: 40]، وفي قصة الهجرة النبوية المباركة، قال الله تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 40].
نسأل الله الهداية والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا ومحمد وآله وصحبه.


[1] البخاري: كتاب التفسير، سورة الليل، (4663).
[2]  مسلم: باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (6319).