بقلم حسين العسقلاني
مع ازدياد وتيرة العداء للإسلام في الغرب في الآونة الأخيرة، أضحت سويسرا ذات الأربع مآذن مسرحًا جديدًا للتعصب ضد المسلمين واضطهادهم فيها من خلال الاستفتاء الأخير، والذي انتهى بقرار حظر المآذن...
ففي ظل هذا العداء المتمكن من قلوب كثيرٍ من السويسريين بات كل شيء متوقعًا، وأصبح ممنوعًا ما كان يُتصور أن حرية أوروبا تكفله، فللحرية استخدامات أخرى كثيرة غير التدين بالإسلام..
لقد أصبحت أوروبا - في ظل اجتهاد حثيثٍ من قادة الفكر المعادي لكل ما هو إسلامي في العالم وسيطرتهم على كل مكونات الإعلام، وفي ظل غفلتنا نحن العرب والمسلمين إلا عن استخدام ما ينتجه غيرنا والتمتع به فحسب - أصبحت أوروبا وبجدارة مرتعًا خصبًا للعداء ضد كل المسلمين، فمن منع الحجاب في فرنسا مرورًا بمقتل مرورة الشربيني في ألمانيا، وليس انتهاءً بمنع بناء مآذن المساجد في سويسرا..
بداية القصة
إذا عُدنا إلى القصة من بدايتها نجد أن العلاقة المتبادلة بين مسلمي سويسرا (سواء من أهلها أو من هاجر إليها من خارجها) وبين غير المسلمين فيها علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والسلم والسلام والأمن والاطمئنان، ومنذ حوالي أربعين سنة والإسلام ينتشر في سويسرا وبشكل متصاعد – ولعل هذا هو ما أثار حفيظة أولئك الذين لا يريدون للإسلام علوًا في الأرض ولا سيادة – وحسب إحصائية نُشرت في إسلام أون لاين كان تعداد المسلمين في سويسرا 17 ألفًا سنة 1970م، ووصل العدد إلى 56 ألفًا سنة 1980م، ثم زاد العدد إلى 152 ألفًا سنة 1990م، وتجاوز 300 ألفًا مع بداية القرن الجديد، ليصل الآن إلى ما يزيد على 400 ألف مسلم..
وطيلة كل هذه السنين لم نسمع أو نرى أي تعصب ضد المسلمين من السويسريين ، إلا حالات قليلة لا تتجاوز نسبا بسيطة للغاية، حسب استطلاعات للرأي॥
ولكن ما فتئت هذه النسب الضعيفة للغاية أن أخذت في الازدياد بصورة لافتة للنظر، ومثيرة للعجب، وباعثة على الاهتمام..
وإذا نظرنا في أسباب هذه التحوّل العجيب في وجهات نظر السويسريين تجاه المسلمين في سويسرا، نجد أن هناك مجموعة من الأسباب يأتيها على رأسها الشحن الإعلامي الكبير المضاد لكل ما هو إسلامي، وإذا كانت الكثير من وسائل الإعلام في بلادنا العربية تشحن مواطنيها ضد الدول الشقيقة بشأن توافه الأمور، فإن الإعلام الغربي يشحن مواطنيه ضد الإسلام والمسلمين، حتى إنك لترى اللافتات التي تدعم وجهة نظر حظر المآذن في سويسرا تراها وقد صورت المآذن على أنها صواريخ جاهزة للانطلاق وتفجير كل ما يحيط بها، وليس هذا تصورًا من وحي خيالي وإنما هو واقع يعيشه السويسريون ، ومن هنا كان هذا الاستفتاء ليتم إدراج حظر بناء مآذن في الدستور على أنه إجراء - حسب زعمهم - يرمي إلى الحفاظ على السلام بين أفراد مختلف المجموعات الدينية॥
إجراء الاستفتاء على حظر المآذن
في ظل هذه الأجواء القاتمة والمتشبعة بإقناع الناس بخطورة الإسلام على حياتهم ومستقبل أبنائهم، جرى ذالكم الاستفتاء على حظر المآذن، وكان فارق 7.5 % كفيلا بتطبيق الحظر، ومن ثَمَّ منع بناء مآذن جديدة في البلاد، الأكثر لفتًا للنظر أنه رغم كل ما بذله اليمين والأحزاب المتضامنه معه ضد بناء المآذن أن 42.5 % لم يصوتوا بمنع بناء المآذن، وهذا مؤشر إيجابي، فالنسبة الجيدة التي لم تتأثر سلباً بما يثيره الإعلام الغربي من عداء هذه النسبة جديرة بالاهتمام، وهي نسبة قابلة للزيادة أو النقصان حسب اجتهاد المسلمين في داخل وخارج سويسرا في تغيير الصورة المنطبعة عنهم في أذهان كثير من الغربيين..
على أن تغيير تلك الصورة يتطلب جهودًا ضخمة من كافة المسلمين في داخل أوروبا وخارجها، ولا أقول ببذل ما يبذله الغربيون في الترويج لأفكارهم – فهذا ربما حلم – ولكن ببعض بعضه، أو ما يستطيعه كل منا، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وإذا بذل كل منا ما في وسعه، تكفل الله بالأمر كله، وما على الرسول إلا البلاغ..
أما الاقتصار على مشاهدة الأحداث، ومصمصة الشفاة على ما آلت إليه الأوضاع، فهذا ما يزيد الأمور تأخرًا والأوضاع ضياعًا..
ردود الأفعال بين الاستنكار والخطوات العملية
تنوعت ردود أفعال العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي تجاه قرار حظر المآذن في سويسرا ما بين الاستنكار والشجب والإدانة والمطالبة بالمقاطعة المالية لبنوك سويسرا تلك التي تقوم على أموال العرب والمسلمين، وكان هذا الأخير هو ردّ الفعل العملي والمطلوب، وهو تهديد اقتصادي سيأخذه السويسريون بمزيد من الاهتمام، وسوف يتريثون كثيرًا في اتخاذ أي قرار يتعلق بالمسلمين في بلادهم لأن الأمر يتعلق باقتصادهم القومي..
الدور المطلوب من الجميع
ثمة أدوار عملية يستطيع كل منا أن يقوم ببعضها أو كلها لتغيير الصورة إلى الأحسن، من هذه الأدوار:
أولاً: إصلاح النفس وإعدادها وتغييرها إلى الأحسن وفق خطط عملية، لتكون مؤهلة لحمل الأمانة، وتبليغ دعوة الله الصافية إلى العالم كله..
ثانيًا: محاولة التواصل بكل الوسائل المتاحة مع الغربيين – وهي كثيرة - ونقل صورة الإسلام الصحيحة إليهم..
ثالثًا: المساهمة بالجهد والمال في كل ما يدعم إيصال صورة الإسلام الصحيحة للغربيين، وذلك من خلال دعم الوسائل الإعلامية والدعوية التي تقوم بهذا الدور ومن خلال حركة الترجمة لكل ما يبرز الجوانب الحضارية في الإسلام..
رابعًا: إظهار النموذج العملي الواقعي للأخلاق الحسنة التي يحث عليها الإسلام، وهذه النموذج هو الأكثر تأثيرًا ، فينبغي ألا يروا منا إلا كل حسن، كما فعل أجدادنا المسلمون الذي نشروا الإسلام في كل العالم بأخلاقهم وحسن سِيرهم..
والأدوار كثيرة ومتعددة، ويستطيع كل منا إذا أخلص نيته، وعزم إرادته على هذا الهدف النبيل أن يبتكر أدوارًا في غاية الأهمية والفاعلية.
همسة أخيرة
إذا رأيت أي مئذنة في أي قطر تعيش فيه أو تذهب إليه، فاذكر نعمة الله عليك، وتذكر إخوانًا لك في سويسرا وصل اضهادهم إلى منعهم حتى من بناء مآذن ينادى عليها لذكر الله، واحذر من أن تشكوك المآذن إلى الله، وليكن هذا دافعًا لك للقيام بدورك تجاه نفسك والمسلمين.. فهل ستقوم بدورك؟!
--------
بقلم حسين العسقلاني
مدير قسم التفاعل في موقع قصة الإسلام
تم ترجمة المقال إلى اللغة الإنجليزية على هذا الرابط
نفع الله بهذا المقال كل من قرأه - آمين
ردحذفمقال رائع وواقعى وعملى جدا ولكن اود ان اضيف انه من الضرورى جدا ان يكون المسلمين وخاصة الشباب على دراية كبيرة بمجالات الكمبيوتر والانترنت حتى يتمكنو من نشر ما يستطيعو عن الاسلام هدا طبعا بعد اصلاح النفس ودراسة الاسلام الى الحد المعقول الدى يمكن من فعل دلك وتلك مسؤلية كل مت له علم فى التعامل مع الانترنت ومن له معرفة واسعة بالاسلام
ردحذفوجزاكم الله خيرا
أنا أيضًا أتفق مع الأخت نهلة الجندي في أن مسؤولية كبيرة تقع على من يجمع بين علم الإنترنت والكمبيوتر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.. وشكرا على المقال
ردحذفبارك الله في كل من ينشر الخير للمسلمين
ردحذف