بقلم أ.د. صلاح الدين سلطان
د. صلاح سلطان |
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
تمر مصر ومن بعدها الأمة العربية والإسلامية بمنعطف خطير في اختيار أكبر رجل له صلاحيات – حسب الدستور – تفوق صلاحيات الرئيس بوش وما يجرى في مصر يؤثر على كل الأمة العربية والإسلامية، كما ذكر فضيلة الشيخ علي طنطاوي -رحمه الله-: أن رياح الإصلاح أو الإفساد للأمة العربية والإسلامية تبدأ من مصر، ولذا لا بد أن ينظر كل مصري حر أبي غيور على بلده ، وأمته العربية والإسلامية أولاً ، ثانيا إلى أن المشاركة في الانتخاب في مصر ذات أهمية بالغة وإليك الأدلة النقلية والعقلية على وجوب هذه المشاركة.
أولا: الانتخاب فريضة شرعية:-
إذا كان لفظ الانتخاب بمعناه السياسي لم يرد في القرآن الكريم ، لكن هناك اتفاقا بين علماء الشريعة ، خاصة السياسة الشرعية، على أنه يساوى لفظ الشهادة الوارد كثيرا في القرآن الكريم وفى السنة النبوية، ويؤكد هذا التطابق علماء كثيرون، منهم على سبيل المثال لا الحصر علامة العصر وفقيه الأمة الشيخ القرضاوي، وفضيلة شيخ الأزهر -الأسبق- الشيخ جاد الحق – رحمه الله- ، وسماحة المستشار الشيخ فيصل مولوي، وعالم العراق الشيخ عبد الكريم زيدان ، أما الأدلة على وجوب الانتخاب (الشهادة) فمنها ما يلي:-
1- قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ) (البقرة:140).
2- قوله تعالى: "وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا" (البقرة :282).
3- قوله تعالى : "وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ" (البقرة :283).
4- قوله تعالى: "وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ) (المائدة:106).
5- القاعدة الفقهية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) ، وإصلاح الفساد المحلي والخارجي لا يكون إلا بمشاركة انتخابية قوية، وحماية أصوات الناخبين.
6- شهادة التاريخ: تاريخ الأنبياء جميعا مشاركة فاعلة في الإصلاح السياسي والأخلاقي ، مثلما فعل سيدنا إبراهيم مع النمرود ، وسيدنا موسى وهارون مع الفرعون ، وسيدنا لوط مع قومه، تم هذا عبر وسائل عديدة ، فإذا أتيحت فرصة الانتخاب فى الواقع المعاصر فلا يجوز تركها.
7- فتاوى كبار علماء الأمة الإسلامية منهم فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق –رحمه الله- ، وكذا فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي ، وفضيلة الشيخ المستشار فيصل مولوي ، والدكتور نصر فريد واصل -مفتى مصر الأسبق- ، والشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان ، والدكتور طه جابر العلواني ، والدكتور صلاح الصاوي، وجميعهم يرى هذه المشاركة ضرورية للرجال والنساء في نصوص مذكورة تفصيلاً فى كتابى "مشاركة المسلمين في الانتخابات الأمريكية، وجوبها وضوابطها الشرعية".
8- يؤكد أهمية المشاركة في الانتخابات قرارات المجامع الفقهية ،سواء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أو مجمع علماء الهند ، أو المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية ، والمجلس الأوروبي للإفتاء ، وعمدة استدلالهم الأدلة التي ذكرت – مع أدلة وتفصيلات أخرى.
ثانيا: الانتخاب ضرورة واقعية:
إذا كان الانتخاب فريضة شرعية بشكل عام، فهو ضرورة واقعية في مصر بشكل خاص؛ لإصلاح الفساد الذي أذاب الشحم ، وأكل اللحم ، ودق العظم ، حتى أصاب نخاع كل قطاع في شمال وجنوب وشرق وغرب مصر كلها ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي:-
1- النظام المصري هو المهندس الأول لجميع أعمال التطبيع وخدمة الكيان الصهيوني وبث روح الهلع والفـزع من المواجهة الحقيقة لهذا الكيان المغتصب، وهو الداعم الأول للسلطة الفلسطينية التي تواجه الأحرار والشرفاء من رجال المقاومة البواسل، وعليه فإن دماء أحمد ياسين والرنتيسي وعماد عقل والدرة والأطفال والنساء القتلى والبيوت الهدمى والمشردين من الفلسطينيين هو في رقبة النظام المصري.
2- النظام المصري الحالي هو أول نظام عربي يرعى المصالح الأمريكية داخل وخارج مصر عربيًا وإسلاميا، وتحولت مصر إلى مكتب من مكاتب وزارة الخارجية والدفاع الأمريكية، وقد كتب تشوار سكوف -قائد عاصفة الصحراء- في التسعينات "إن الموافقة على مرور جميع السفن والطائرات الأمريكية لم تستغرق مع الرئيس مبارك أكثر من عشر دقائق ولولاها لما استطعنا أن نفعل شيئا" ولو وقفت مصر أمام احتلال العراق بعد التفتيش الدقيق مع أي سلاح نووي لما أُخذ العراق ، وتحولت العراق إلى ثكنة عسكرية أمريكية بريطانية واستلبت خيرات الأمة الإسلامية بسبب ما يجرى في العراق.
3- لقد جعل النظام المصري من بلد مثل مصر في ثقلها وثرواتها في القدرات العلمية والفكرية والمائية والبترولية والمعدنية بلدا مدينًا بالمليارات ، مستهلكًا للسلع والخدمات الأمريكية والغربية، وكان الشيخ الشعراوي حكيما عندما قال -رحمه الله-: من لم يكن طعامه من فأسه فلن يكون قراره من رأسه. ونحن نستورد 80% من طعامنا حسب تصريحات رؤساء وزراء مصر ، واحد وراء الآخر.
4- النظام المصري في إطار الاقتصاد الطفيلي تسبب في بطالة حقيقة لأكثر من 10 مليون مصري (أكثر من عدد بعض دول الخليج)، وبطالة مقنعة لأكثر من عشرين مليونا، ووجدت طبقة أرستقراطية تملك الملايين والمليارات في الداخل والخارج؛ لأنهم وكلاء الشركات الكبرى ومحتكرو المنح الأمريكية ، وفى المقابل شعب كادح لا يجد الكفاف، وانتشر بين الطبقتين الرشوة والسرقة والوساطات والمحسوبيات.
5- النظام المصري جعل معه كل بيت يلهث ويعانى فى تعليم أولاده في نظام تعليمي مرهق نفسيا وماديا ومعنويا للآباء والأمهات والأولاد ، بل وللمدرسين ولا يوجد له نظير في العالم، ويجعل كبار مستشاري التعليم من خارج المربين والعلماء والمفكرين، بل من خارج مصر في الوقت الذي قال فيه وزير التعليم الأمريكي (تيربل بل) سنة 1983: "لو أرادت قوة معادية فرض أداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي لاعتبر ذلك مدعاة لإعلان الحرب".
6- لقد ضيق النظام المصري الخناق على أهل القرآن ، ودعاة الإسلام، وعلماء الأمة وأساتذة الجامعات، والأحرار من الصحفيين والقضاة والإداريين ورعاة الفقراء والمساكين ، وصار ضابط الأمن والمخبرون سلطة تعيين مؤذني المساجد وإمامه إلى أساتذة الجامعات ورجال القضاء أجمعين، وجعل من قانون الطوارئ سيفا مسلطا على شعب بأكمله حتى عاش النظام في برج عاجي، وأحاط نفسه بطبقة كبيرة من المنتفعين، وصار المصريون يشعرون أن الرئيس مبارك هو رئيس المجموعة التي تحوطه، والحزمة التي حوله، ومن الشواهد على ذلك أن هناك حديثا فياضًا من هذه الطبقة عن الإنجازات الهائلة للرئيس، بينما يعاني الشعب ويشكو في كل سيارة وحارة، ومتجر ومصنع، ومدرسة وجامعة ، والجمع بين الأدلة - على منهج الأصوليين – يقول: نعم تحققت إنجازات هائلة لهذه الطبقة فقط حول الرئيس وهم صادقون، كما أن الشعب صادق في أنه لم يتحقق له إنجازات حقيقية في البنية الرئيسية (الطعام، السكن، التعليم، العلاج، الأمن، الحريات).
هذا غيض من فيض مما تطول فيه الصفحات لو عددنا السلبيات والمنكرات التي توجب على الأشـراف والأحـرار أن يتقدمـوا لإنقاذ البلاد والعباد من هذا الطغيان.
هذه المشاركة مع وجوبها لكن أهل الفقه والرأي والدعوة لو رأوا أن الأنفع والأكثر تأثيرا في مواجهة تعنت السلطة وعدم قبلوها ما يجعل هناك شفافية في الانتخابات أن يقاطعوا الانتخابات آنئذ يكون الأولى هو اتباع رؤية أهل الحل والعقد والرأي والفكر والدعوة وليس الرأي الفردي والهوى الخاص.
فريضة رغم التزوير
أما عن كون المشاركة في الانتخاب فريضة شرعية وضرورية واقعية رغم احتمالات التزوير فكما يلي:-
1- حديث النبي صلي الله عليه وسلم في الفقه والمظالم: "أد الذي عليك وسل الله الذي لك" وهو يوجب أداء ما علينا ، من أن نقول لكل ظالم لا، أن نقول للمنكرات لا، أن نقول للمصلحين نعم، أن نعلن موقفنا بطريق حضاري سلمى والانتخاب منه.
2- أداء الصوت هو تعبير عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والمعروف أن هذا لا يتوقف على قبول الطرف الآخر ، بل أن هناك أجرًا من الله يقع بمجرد أن يقول لا لكل ظالم، ونعم لكل مصلح.
3- عدم التصويت له أضرار عديدة منها:
أ- أول الأصوات التي تزور هي أصوات الموتى والغائبين، وللحكومة قدرات لا تستطيعها مردة الشياطين في إحياء الموتى للتصويت، والنيابة عن الغائبين.
ب- أن الصمت قد يفسر بالرضا عن النظام، أو هو ورقة راكدة لا يخشى منها.
ج. قال لي أحد كبار المحامين من الأمريكان : (If you don't vote, you already voted)
ومعنى العبارة: إذا لم تصوت فأنت في الحقيقة قد أعطيت الصوت بتمرير أي شيء تريده الحكومة أو من شاركوا في الانتخابات.
4- إن تزوير صوتك يضاعف وزر الظالمين، ويضاعف احتقان المصلحين، وقد يضبطه بعض القضاة الصالحين ، وتنشره الهيئات الدولية بما يلطخ وجه المزورين.
5- في جميع الحالات هناك من يدرس داخل الحكومة جميع أصوات الناخبين الحقيقيين حتى يقفوا على حقيقة موقف الشعب منهم، ويقدروا حجم المواجهة، وفى الوقت نفسه حتى يكون هناك دلال لمنفذي التزوير على من زوروا لهم ، فينالون مناصبهم وبعض أموالهم ، وهو أمر لا يطول كثيرا في ميزان الدورات التاريخية.
6- الانتخاب فرصة لا تجوز إضاعتها لقول الشاعر :
وعاجز الرأي مضياع لفرصته .. حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
لهذه الأدلة الشرعية والاجتهادات الفقهية والأسباب العقلية والشواهد الواقعية يبدو لي وجوب المشاركة الانتخابية، وأدعو كل مصري حر داخل وخارج مصر أن يشارك في الانتخابات كل الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية والجامعية والنقابية[1].
[1] - هذه الفتوى كتبها الأستاذ الدكتور صلاح سلطان –المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وأستاذ الشريعة بكلية دار العلوم- في 2005 بين يدي الانتخابات التشريعية والرئاسية وقتئذ، وإدارة الموقع تعيد نشرها لأن واقع الفتوى لم يتغير منذ كتابتها.
----------------------------------------------------
منقول من موقع دكتور صلاح سلطان
http://www.salahsoltan.com/component/content/article/38-slideshow/862-2010-11-23-11-12-15.html